بسْمِ الله الرَّحْمنِ الرَّحِيم
اللَّهُمَّ صَلِّ عَلى مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ وَعَجِّلْ فَرَجَهُمْ وَالْعَنْ عَدُوَّهُمْ مِنَ الجِنِّ وَالإِنْسِ مِنَ الأَوَّلِينَ وَالآخِرِينَ
روى ثقة الإسلام الكُليني بسنده عَنْ هِشَام بن سالِم عَنْ أبي عبد الله (عليه السَّلام)، قال: "لمَّا حَضَرَتْ أَبِي (عليه السَّلام) الْوَفَاةُ، قَالَ: يَا جَعْفَرُ، أُوصِيكَ بِأَصْحَابِي خَيْرًا. قُلْتُ: جُعِلْتُ فِدَاكَ، - والله - لأَدَعَنَّهُمْ والرَّجُلُ مِنْهُمْ يَكُونُ فِي الْمِصْرِ فَلَا يَسْأَلُ أَحَدًا".[الكافي الشَّريف: 1/ 306، ح2 كتاب الحُجَّة].
فأغنى الإمام الصَّادق (صلَّى الله عليه) شعيته بحديثه، وحديث آبائه المعصومين (عليهم السَّلام)، الَّتي كُتِبَت وحُفظت؛ لذلك ترى الصَّحابي الجليل حَريز بن عبد الله السِّجستاني (رضي الله تعالى عنه)، كان لا يُجيب إلَّا بـ"رِوَاية". فاستغنى برواية الصَّادِقَيْنِ (عليهما وآلهما السَّلام)، عَنْ "علوم الكذَابين".
فقد روى الشَّيخ الكِشِّي بسنده عَنْ علِيِّ بن الحَسنِ بن رِبَاط عَنْ حَرِيز، قال: دَخَلْتُ عَلَى أَبِي حَنِيفَةَ، وَعِنْدَهُ كُتُبٌ كَادَتْ تَحُولُ فِيمَا بَيْنَنَا وَبَيْنَهُ، فَقَالَ لِي: هَذِهِ اَلْكُتُبُ كُلُّهَا فِي الطَّلاَقِ، وَأَنْتُمْ - وَأَقْبَلَ يُقَلِّبُ بِيَدِهِ -.
قَالَ: قُلْتُ: نَحْنُ نَجْمَعُ هَذَا كُلَّهُ فِي حَرْفٍ.
قَالَ: وَمَا هُوَ؟
قُلْتُ: قَوْلُهُ تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا اَلنَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَأَحْصُوا اَلْعِدَّةَ}.[سُورة الطَّلاق: 1].
فَقَالَ لِي: وَأَنْتَ لَا تَعْلَمُ شَيْئًا إِلَّا بِرِوَايَةٍ؟
قُلْتُ: أَجَلْ.
فَقَالَ لِي: مَا تَقُولُ فِي مُكَاتَبٍ، كَانَتْ مُكَاتَبَتُهُ أَلْفَ دِرْهَمٍ، فَأَدَّى تِسْعَمِائَةٍ وَتِسْعَةً وَ تِسْعِينَ دِرْهَمًا، ثُمَّ أَحْدَثَ - يَعْنِي الزِّنَا -، كَيْفَ تَحُدُّهُ؟
فَقُلْتُ: عِنْدِي بِعَيْنِهَا حَدِيثٌ، حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ مُسْلِمٍ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ (عَلَيْهِ السَّلاَمُ): أَنَّ عَلِيًّا (عَلَيْهِ السَّلاَمُ) كَانَ يَضْرِبُ بِالسَّوْطِ، وَبِثُلُثِهِ، وَبِنِصْفِهِ، وَبِبَعْضِهِ بِقَدْرِ أَدَائِهِ.
فَقَالَ لِي: أَمَا إِنِّي أَسْأَلُكَ عَنْ مَسْأَلَةٍ لَا يَكُونُ فِيهَا شَيْءٌ، فَمَا تَقُولُ فِي جَمَلٍ أُخْرِجَ مِنَ اَلْبَحْرِ؟
فَقُلْتُ: إِنْ شَاءَ فَلْيَكُنْ جَمَلًا، وَإِنْ شَاءَ فَلْيَكُنْ بَقَرَةً، إِنْ كَانَ عَلَيْهِ فُلُوسٌ أَكَلْنَاهُ وَإِلَّا فَلَا".[رجال الكشِّي: ص275-276].
لاحظ أنَّ "حَريز" أجاب عَنِ السُّؤال الأوَّل بآية مِنَ القُرآن، فكان استنكار أبي حنيفة بقوله: "وَأَنْتَ لَا تَعْلَمُ شَيْئًا إِلَّا بِرِوَايَة؟"، وهذا يدُلُّ على أنَّ "حَريزًا" لَمْ يستدلَّ بهذه الآية، ولا كان يعرف أنْ يستدلّ بها إلَّا بعد أنْ عرف تفسيرها وبيانها عَنْ طريق الأئمَّة (عليهم السَّلام)، وهذا ما فهمه أبو حنيفة.
فكانت تربية الأئمَّة لشيعتهم هي، هذه: "اللَّهُمَّ أَنَّا نُشْهِدُكَ أَنَّا نَدِينُ بِما دانَ بِهِ مُحَمَّدٌ وَآلِ مُحَمَّدٍ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَعَلَيْهِمْ، وَقَوْلُنا ما قالُوا، وَدِينُنا ما دانُوا بِهِ، ما قالُوا بِهِ قُلْنا، وَما دانُوا بِهِ دِنَّا، وَما أَنْكَرُوا أَنْكَرْنا، وَمَنْ وَالَوا وَالَيْنا، وَمَنْ عادَوا عادَيْنا، وَمَنْ لَعَنُوا لَعَنَّا، وَمَنْ تَبَرَّأوا مِنْهُ تَبَرَّأنا مِنْهُ، وَمَنْ تَرَحَّمُوا عَلَيْهِ تَرَحَّمْنا عَلَيْهِ، آمَنَّا وَسَلَّمْنا وَرَضِينا وَاتَّبَعْنا مَوالِينا صَلَواتُ الله عَلَيْهِمْ".[مقطع مِنْ "دُعاء يوم الغدير" الشَّريف؛ برواية أبو هارون العَبدي عَنْ الإمام الصَّادق (عليه السَّلام)].
واليوم انقلبت الموازين، وصار مَنْ يعتمد على الأخبار، ويروي الرِّوايات، يقول عنه، - مَنْ يدَّعي أنَّهُ مِنْ شيعة الإمام الصَّادق (عليه السَّلام):- "حَشوي"، "أخباري"، "مُنحرف"، "جاهل" ... إلخ.
قال الإمام الصَّادق (عليه السَّلام)، مُخاطِبًا شيعته: "أَيَّتُهَا الْعِصَابَةُ الْحَافِظُ الله لَهُمْ أَمْرَهُمْ، عَلَيْكُمْ بِآثَارِ رَسُولِ الله (صلَّى الله عليه وآله) وسُنَّتِه، وآثَارِ الأَئِمَّةِ الْهُدَاةِ مِنْ أَهْلِ بَيْتِ رَسُولِ الله (صلَّى الله عليه وآله) مِنْ بَعْدِه وسُنَّتِهِمْ، فَإِنَّهُ مَنْ أَخَذَ بِذَلِكَ فَقَدِ اهْتَدَى، وَمَنْ تَرَكَ ذَلِكَ وَرَغِبَ عَنْه ضَلَّ؛ لأَنَّهُمْ هُمُ الَّذِينَ أَمَرَ الله بِطَاعَتِهِمْ ووَلَايَتِهِمْ، وقَدْ قَالَ أَبُونَا رَسُولُ الله (صلَّى الله عليه وآله): المُدَاوَمَةُ عَلَى الْعَمَلِ فِي اتِّبَاعِ الآثَارِ والسُّنَنِ وإِنْ قَلَّ، أَرْضَى لِله وأَنْفَعُ عِنْدَه فِي الْعَاقِبَةِ مِنَ الِاجْتِهَادِ فِي الْبِدَعِ واتِّبَاعِ الأَهْوَاءِ، أَلَا إِنَّ اتِّبَاعَ الأَهْوَاءِ وَاتِّبَاعَ الْبِدَعِ بِغَيْرِ هُدًى مِنَ الله ضَلَالٌ، وكُلُّ ضَلَالَةٍ بِدْعَةٌ، وكُلُّ بِدْعَةٍ فِي النَّارِ".[الكافي: 8/ 8، ح1].
فسلامٌ على الإمام الهمَّام، حَبر الدَّهر وناموسه، وحُجِّة المعبود وترجمانه، وعَيْبة عِلمه، وميزان قسطه، ومصباحه الَّذي يقطع به الطَّالب عَرض الظُّلمة إلى ضياء النُّور، جعفر بن مُحمَّد الصَّادق، وعلى أهل بيته الطَّاهرين، ورحمة الله تعالى بركاته، ولعنة الله تعالى على أعدائهم ومُخالفيهم مِنَ الأوَّلين والآخرين.
وجعلنا الله تعالى مِنَ المُتمسِّكين بأخبار وأحاديث آل مُحمَّد (عليهم السَّلام)، ومِنَ المُقتصِّين لآثارهم الشَّريفة، ببركة وتسديد وتأييد الإمام بقيَّة الله الأعظم الحُجَّة بن الحَسن العسكري (عجَّل الله تعالى فرجه الشَّريف) ونحن معه.
.
السيِّد جهاد المُوسوي
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.